مرحبا بكم

جــــوهر الأشيــــاء

 جــــوهر الأشيــــاء
            ذ. نورالدين مشاط
عش ما شئت فإنك ميت..!
كفن
حقيقة قالها الحبيب المصطفى عليه السلام، لو تمليناها لانقلبت حياتنا، و صار لها معنى حقيقي، و لغدت جنة نرفل فيها، حقيقة لو لامست أعماقنا لأصبح الكل يعمل من أجل الكل، فبات الحصاد للآخرة الأهم و محراث الدنيا للآخرة أصل.. فتعالوا إخوتي نعيد النظر في زاوية الرؤية و عوض أن نقلب الموازين لنرى من خلال بريق الدرهم و الدينار الذي شع في حياتنا يوما ما فأفسد علينا متعة الحياة الحقيقية، و أفقدنا ملامسة جوهر الحياة.. تعالوا لنرى انطلاقا من بؤرة النور، ومن علو يكسبنا النظرة الشمولية النافذة ..!
يوما ما وأنت في زحمة الحياة تقاوم من أجل حصاد المزيد من الثروة.. يوما ما وأنت تخطط لتقفز نحو مناصب أخرى لتزيح من عليها، لتبني مجدا و تحجز كرسيا و ترتب أثاث مكتب تظنه خالدا.. يوما ما وأنت تخط الأحلام بعد الأحلام و ترسم السلالم تلو السلالم و تحسب وتعد.. في تلك الزحمة سيتوقف كل شيء بالنسبة لاسم سماك به أبواك.. وترى العمارات و الكراسي و النياشيم تتسلل من بين أصابعك لتنطلق إلى غيرك.. تقاوم أنت دون جدوى فقد خارت قواك و انتهت دقائق المباراة..!
عاد
هل وقفت يوما على تركة القدامى، حيطانهم و قصورهم، ماذا بقي منها و ماذا تبقى منهم؟ ألم تسمع قول أبي الدرداء يصحل فيمن أعماهم بريق الذهب: من يشتري مني تركة عاد بدرهمين! أولئك كانت الجبروت جبروتهم والعضلات المفتولة فخرهم، فكانوا ينحتون من الجبال بيوتا و أعمدة سحرت العقول، فما بقيت و لا بقوا.. فالمفخرة ما كانت يوما ما بالقوة، كما لم تكن يوما ما بالمال و الذهب..! فما صح بالنسبة لفرد صح بالنسبة لأمة..!
لله أسرار في خلقه، و الضعف سمة بارزة فينا..فمهما ادعيت من قوة، فقد تحوجك شرقة تجحظ لها عيناك إلى الإنبطاح، أو قد يحوجك مرض إلى طواف أركان المعمور من أجل حقنة مهدئة.. فماذا تفعل بمال لا ينفعك عند الشدة وبعضلات لا تقهر المرض القادم من الداخل أو الهرم الذي يطوي الأجيال بعد الأجيال..!
قد تحاججني، و تقول:هي دعوة إذن إلى الخمول..!
لا، والله فالحياة ما كانت عبثا لنركن فيها و نتقاعس، و لكنها مزرعة كانت قنطرة لما هو باق..! وللعاقل الذي يستعمل آلة الحساب أن يقارن عمره المحتمل في الدنيا و العمر اللامحدود في الآخرة.. أيبيع محدودا بلامحدود..ولذة عابرة لا تتعدى الفم لتصبح عفنا بعد وضعه في بيت الخلاء يفر منه الأميال..ولحظات نشوة في العقل تصير مجرد صور في المخيلة تستدعى للتأمل أو الاستبصار..! لا، والله..فحصادنا برؤية مثل هذه هو التقدم والرقي، الكرامة والعزة، الغنى والعفاف، العلم والصدق..كل ذلك مطبوع بالحب والعطف والإحسان..!
إن عالـَما يرى جوهر الحقيقة بقلبه وتتلمسها حناياه، سينقلب من غابة دموية تحكمها الذئاب الضارية المكشرة عن الأنياب إلى جنة يؤثر فيها الكل الغير على النفس، فلا مجال لجائع يشد الحجر على بطنه و متخوم يذرع الغرفة جيئة وذهابا من أجل نفس..! و لا مجال لمن يسكن آلاف الأمتار ومن لا يجد كوخا يقيه زمهرير الشتاء. فالإيثار هو العملة هنا و السباق الحقيقي هو سباق نحو تعبئة الحساب الأخروي برفع المعاناة عن الإنسانية كلها..!
أي نور ذاك الذي شع في قلوبنا فجعلنا نحب الناس كلهم، و نتألم لآلامهم كما نفرح لفرحهم.. أي نور هذا الذي جعلنا نعرف حقيقة التراب الذي أعمى الأبصار، فما بقي للعمارات و القصور في قلوبنا نصيبا، و لا للذهب في أعيننا بريقا.. فعرفنا أن حب تَمَلـُّـك التراب يؤدي إلى التعاسة: فابن آدم لا يحثو فمه إلا التراب كما قال عليه السلام و بالتالي نردد معه: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم..! إنه نور الله..نور الله..
شع فأخرج الناس من الظلمات إلى النور
شع فكسر تقاليدا ورؤى سطرت فوارق بين بني البشر..!
شع فرأينا بشرا في طهر الملائكة يمشون فوق الأرض ملؤوها عدلا وزهدا، فما بنوا لأنفسهم قصورا وهم حكاما، و لا زادوا عن أضعف الرعية دخلا رغم أن الخزائن كانت تحت إمرتهم!
هي حرية إذن من أوهاق العبودية للأشياء..ومعرفة حقيقة الأشياء..! فأغبى الناس من يكتشف أنه في الطريق الخطأ بعد انتهاء السباق، أو من يضل الطريق و قد قارب المنزل..!

نورالدين مشاط

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire