مرحبا بكم

العلم والإيمان: هندسة الكون

العلم والإيمان: هندسة الكون

الكون رهيب بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى .. وقد كتبت عنه خاطرة سميتها (سفر في الكون) حاولت من خلالها رسم تلك الرهبة التي أحسست بها. اليوم ومن خلال هذه النافذة سنعرض شريطا هاما للدكتور مصطفى محمود رحمه الله عن هندسة الكون، شريط في غاية الأهمية

الشريط الأول

الشريط الثاني


الشريط الثالث


الشريط الرابع


الشريط الخامس


 الشريط السادس
 

مدارس فوق السحاب وتحت المعاناة بين الحجر والوحل

 مدارس فوق السحاب وتحت المعاناة بين الحجر والوحل 
                                             ذ. نورالدين مشاط
من فوق السحاب، وفي مشهد لا يراه المراقب إلا من على متن الطائرة، كانت السيارة الرباعية الدفع تسير فوق صخور الجبال (فالطريق غير معبدة وهي عبارة عن أحجار كبيرة وتربة) حيث تبدو أودية عميقة ومنحدرات رهيبة أيمن المسار الطويل إلى فرعيات تابعة لإحدى المجموعات المدرسية (مجموعة مدارس الهرارزة والبغاغزة).  طرقت رأسي قليلا متسائلا: كيف سيصل هؤلاء المدرسون والمدرسات إلى هذه المناطق في موسم الأمطار، علما بأن الوصول إليها في موسم الحر يعد مسألة صعبة؟ سألت أحد المدرسين عن كيفية عبوره إلى مقر عمله، فأجاب بأنه يسير لمدة ثلاث ساعات في الغابات ليعبر مسافة تصل إلى 10 كيلومترات (بطيران الطائر في خط مستقيم). تساءلت في نفسي: إذا كان الرجال يعانون للولوج إلى هذه المناطق، فكيف ستعبر النساء هذه الأحراش؟

            داخل حجرة الدرس، نظرت إلى وجوه الأطفال البريئة، وجوه وضيئة، يعنيها جيدا زمن التعلم ومتعة التعلم وجيل مدرسة النجاح وكل ما زخر به قاموس الممارسة التربوية الحديثة من مصطلحات، تذكرت إحدى التلميذات في فرعية قريبة نجحت في القسم السادس، لكنها بقيت في نفس القسم لأنها لم تستطع الذهاب إلى الإعدادية. فالإعدادية بعيدة ودونها طريق غير معبدة وكلفة تنقل مادية باهضة.
            من خارج الفصول الدراسية، تظهر القرية الصغيرة أو بالأحرى المنازل الفقيرة المتناثرة. جال في خلدي سؤال أود طرحه على كل مهتم بالتنمية، كل أنواع التنمية: كيف سننقل امرأة حاملا أو مريضا في حالة خطرة إلى المستشفيات في غياب طريق معبدة؟ كيف سينتقل متعلمون ومدرسون وتجار من وإلى هذه المناطق لإدارة عجلة الحياة ليعم الخير في ظل غياب طريق معبدة؟ فشريان الحياة لا يكمن فقط في إنشاء مدرسة هنا وهناك أو مستوصف صغير أو تعاونية ولكن يتم بدءا بربط صلة الوصل بين المراكز الحضرية الكبرى وكل النقاط العمرانية حولها بما فيها القرى والدواوير الصغيرة. إنها مسألة كرامة أولئك الآدميين ينبغي أن تتحملها الدولة وهي مسألة تنمية اقتصادية واجتماعية للبلد نغفلها. فعن أي تنمية سنتكلم في ظل قطع أواصر التواصل مع هذه المناطق؟
            أثناء عبوري إلى مجموعة مدارس ابني احمايد ومجموعة مدارس الزاوية، حيث تمتد طريق الولوج إليها لكيلومترات غير معبدة، طريق فلاحية يستحيل على السيارة العادية أن تعبرها عند سقوط أمطار طفيفة. أما إذا امتدت الأمطار لأيام فتصبح هذه المناطق شبه معزولة، لاحظت وجود ملعب حديث لكرة السلة بالجماعة! تساءلت عمن سيلعب في هذا الملعب؟ الماعز أم البشر؟  وكم سيُستثمر من ساعات؟ ما هي الأولوية في هذه الجماعات القروية: هل هي لربط الطرق أم لبناء مشاريع لا جدوى منها وبمبالغ مادية هامة؟ فأين هي المساءلة والمتابعة لمثل هذه المشاريع التي ينبغي أن تخضع للطرق العلمية في تشخيص الحاجات الملحة للفئات المستهدفة من تلك المشاريع ودراسة الجدوى منها.
            إن الاهتمام بزمن التعلم وبمتعته ورسم مسارات النهضة التعليمية التعلمية ينبغي أن يسير جنبا إلى جنب مع نهضة بناء شاملة تستهدف البنية التحتية: الطرق والمؤسسات، وكذا الاهتمام بالموارد البشرية. فالجودة كل لايتجزأ. فلا جودة مع مدارس وبوادي معزولة ولا جودة مع أقسام مشتركة لكل المستويات (من الأول إلى السادس) أو لعدد كبير منها حيث يدرس مدرس واحد العربية أوالفرنسية!أو هما معا  إن الجودة لا تكمن في حسن تأثيث الواجهات: الترامواي وقطار (TGV) في حين تبقى مناطق سياحية غاية في الروعة معزولة عن العالم كما تبقى قرى عديدة ودواوير وراء سور طبيعي تختزن جمالها كما تختزن معاناتها وفقرها. لكن الجودة  تكمن في تعميق التدبير التشاركي حيث التعاون والمساءلة وحيث تراعى الأولويات الملحة وأبعادها التنموية.