مرحبا بكم

التدبير التشاركي (1): الخطأ والوهم

التدبير التشاركي (1): الخطأ والوهم
  ذ. نورالدين مشاط

نتصفح يوميا مئات الوجوه ونرسم خرائط هندسية للأجسام التي تعبر المجال أمام عدسات كاميراتنا، قد لا تمثل تلك الوجوه سوى بيانات ضئيلة بالنسبة لمعالجاتنا الحاسوبية الداخلية (الدماغ)، بيانات عن اللون والطول والحجم والشكل نرصعها ونتممها بخيالات من عنديتنا. بيانات تتلاشى مع مرور الوقت أو تتأكد عبر التكرار وقد تزداد عمقا كيفا وكما عند الاحتكاك. ونظن أننا حصلنا على الصورة النقطية كاملة بجميع تفاصيلها فامتلكنا الحقيقة لنكتشف عند المنعطف الأول أننا ضللنا الطريق!!
أجل ما نجمعه من معطيات نأخذه مما يسمح به الآخر لنا أن نأخذه، ما يجود به علينا وما يريد رسمه في أذهاننا ـ أي ما يتجمل به أمامنا. كما نجمع ما تساقط من بيانات هنا وهناك من سقطات اللسان ومن الحركات وردات الفعل، فنقرأ اللغات والرموز. كما نسافر في تاريخ هذه الأجساد عبر ما تتيحه لنا الكائنات المحيطة بها من معطيات ونعيد رسم الصورة أملا في فهم أعمق وبالتالي تواصل أفضل.
إننا مخلوقات تحاول دوما أن تحفظ لنفسها كثيرا من الخصوصية (التستر)، دفاعا عن النفس وحفظا للتميز. فنحن نهتم بصورتنا لدى الآخر بل ونبنيها بوضع مساحيق عليها أو فقط بإزالة الشوائب عنها باستخدام مؤثرات معينة تبدعها الذات في إطار إستراتيجية تسويق نفسها. وحق لها أن تفعل ذلك، فهي تبحث دوما عن أن تظهر بالمظهر الأفضل، وتعرف أيضا ما لا ينبغي لها أن تتصف به وتمارسه وبالتالي تتجنب إظهاره أمام الملأ. بالطبع، نحن لا ننفي وجود أناس أصفياء أقرب إلى البلور. ظاهرهم وسريرتهم سواء. أولئك عرفوا رقابة المولى عز وجل فأدركوا أنه يعرف السر وأخفى، فنقوا الباطن والظاهر على حد سواء. أدركوا جوهر الأشياء فعاشوا الصفاء وتفوقوا على مغريات الحياة..!
ونحن، أيضا، وضمن محدودية كفاياتنا التواصلية، ندرك أن اللغة في كثير من الأحيان، وعوض أن تكون وسيلة أمينة وقوية لإيصال إحساساتنا، تفشل في رسم ما نكنه وما نراه داخل خيالنا وبالتالي التعبير عن تصورنا. فنحتاج إلى (عفوا)، و(لم أقصد)، و(أعني) وهلم جرا.
ومن هنا يبقى ما نجمعه عرضة للخطأ والوهم، وهو ما ينبغي أن يؤسس وبقوة للتثاقف فيما بيننا ودمقرطة المعلومة ليس من أجل الآخر فقط، ولكن من أجل تصحيح وتدقيق صورة العالم من حولنا وما يحتويه، فنحسن الفعل فيما بين أيدينا ونتعامل بإيجابية تبني ولاتهدم. إيجابية تعترف بمحدودية إمكاناتنا وتتجه نحو الفعل التشاركي الذي يكمل بعضه بعضا.

لقد حبانا الله سبحانه عينين تتكاملان وبإبداع لا مثيل له في توسعة مجال الرؤية في كل الاتجاهات، بحيث لا تشبه صورة أجود الكاميرات (عمقا ومجالا ) تلك الصورة التي ترسمها العينان. وكأننا به سبحانه يعلمنا ومن خلال ما نملكه من حواس القدرة على التكامل في حياتنا من خلال تدبير تشاركي يحول النقص إلى مجال للتكامل. 












(يُتبع بحول الله)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire