مرحبا بكم

بصائر القرآن: كيف يتحول العلم فيوضا من الرحمات


               بصائر القرآن: كيف يتحول العلم فيوضا من الرحمات!!

                                                           ذ. نورالدين مشاط



سورة الكهف .. نقلة من الظلمات إلى النور ..

نقلة يتحول منها الفرار إلى الله بفرار من المكان إلى عبور بوابة الزمن ليقف الشريد الطريد على قبر وتركة الجبار المُطارِد..فمن المُطارَد؟؟؟ ... نقلة يتحول من خلالها العِلم رحمة شاملة  تلف الناس وتحول لحظات يأسهم وبؤسهم بلسما حانيا .. وتتحول المعرفة المبتورة المنحصرة في زاوية واحدة رحمة تلف وتحيط الشيء من كل زواياه وبكل أبعاده لتصبر أغواره وتكشف عن أطيافه المختلفة.. نقلة ترسم ملامح القوة حينما تكون في أيدي قيادات مؤمنة فتنقلب من آلة بطش إلى رحمة تبني العمران وتهدم أركان الظلم في كل مكان .. تنقلب من غطرسة وإحساس بالغرور إلى شكر للمنعم فتنشر رحمتها على المحرومين.

فنحن أمام مشاهد مختلفة .. تجمع بينها تيمة واحدة .. الرحمة

يرسم المشهد الأول .. فتية فارين بدينهم

تركوا أهليهم ومناصبهم وأموالهم .. وخرجوا إلى الفلات .. فارين إلى الله

هكذا بتجرد تام .. تركوا ما نحسبه ملكا

وما يتركه الإنسان حينما يكون ذاهبا لقبره..


آووا إليه .. وتركوا الدنيا وراءهم .. وافتقروا إلى ما عند الله

فنشر لهم ربهم بساط رحمته .. وآواهم إليه .. فناموا

وأية نومة تلك ..!

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)) (سورة الكهف)

لم يكن نومهم إلا عبورا لبوابة الزمن .. على بساط رحمة الله

أجل لم يكن نومهم الذي قضوا فيه كما هو في إحساسهم سوى يوما واحدا

وفي عد الآخرين ثلاثمائة سنين وتسعا.

وأذن المؤذن للنهوض .. فنهضوا .. كان المشهد من حولهم قد تغير تماما..

مات الطاغية وبليت جثته .. وتهدمت مملكة كفره .. وقامت بدلا عنها مملكة إيمان..

ساروا في الأزقة لتحكي لهم مراحل التحول ..

فبالله وتا الله .. كيف تمددت ليلة واحدة  لتصبح ثلاثمائة وتسعا..

وكيف تبخر الطاغية وجنوده .. وأوته قبور منزوية ..

كيف تكسرت تماثيلهم .. وطوي جبروتهم.. وصهيل خيلهم وسياطهم..

هكذا هي معضلة الزمن .. يوم عند ربك .. كألف سنة مما نعد .. أو أكثر..!

 لو تملينا المشهد قليلا ..

كم من المؤمنين ماتوا تحت سياط الطاغية الحاكم أنذاك .. بماذا أحسوا وهم يتذوقون أصناف العذاب؟ فهل شهدوا ما شهده أهل الكهف؟؟ هل شهدوا عرش الطغيان كيف تهاوى؟؟ أم قضت أجسادهم قبل ذاك؟؟

نحن نحزن ونرغي ونزبد .. ويضيق صدرنا .. حينما نشاهد أكوام الجثث (نساء وأطفال وشيوخ) التي تحصدها آلات بطش الجبابرة  ولا يتسع لنا الزمن لنرى كيف تطويهم قدرة الله.. وتطوي معهم الحزن والطغيان وتغسل الأرض من الأذران لتنشر رحمة الرحمن ..

ننحصر في الحاضر وآلامه ونتحسر عليها ويغيب عن تصورنا ما هو قادم؟

أفلا نطمئن للرحمن الرحيم إذ يقول: (إن مع العسر يسرا) (سورة الشرح) وبعد طغيان الكفر انكسارا وذلا..

ألم نفقه بعد قوله: (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) (سورة المعارج)؟

فتنكشف حجب الزمن .. وتنكشف معها الآلام وتعلو الابتسامة والرحمات..

ونصعد ربوة القدر العالية .. لنرى كيف يطوي القهار عروش الطغاة .. ويمسح دموع الثكالى وأناة المظلومين..!

..........

لله في ملكه أسرار.. علمنا منها أشياء وتعلمنا..وخفيت عنا أشياء وانتظرنا..

عرفنا كيف نستثمر الهواء في نقل الصوت والصورة من مكان إلى مكان.. فتحادثنا مع بعضنا على بعد آلاف الكيلومترات .. وتعرفنا أحوال الناس من مختلف أركان المعمور..!

وطرنا..كما طارت الطير في الهواء..

ولو رآنا الأقدمون وسمعوا بما وصلنا إليه لصُدِموا .. ولكالوا التهم لمن أتاهم بالخبر ونعتوه بالحمق..!

لله في كونه أسرار..منها سر ثلاثمائة سنين وتسعا.. كيف تحولت ليلة قضاها الفارون إلى الله من )يوم أو بعض يوم( لتتمدد في الكون.. ثلاثمائة سنين وتسعا..!

كيف يتوقف الزمن في بقعة .. ويستمر في بقعة أخرى يغير الملامح والأحداث..!

كيف تحفظ الأمعاء والأجهزة الداخلية كلها والخارجية في غياب الإطعام..!!

أسرار وأسرار.. فلك الحمد والمنة يا صاحب الأسرار

لك الحمد من كل ما هو موجود .. ففيوض رحمتك غطت الوجود..!!

تُرى ماذا يخبئ لنا قدر الله وقدرته من أسرار .. سنراها في المستقبل المنظور .. أو يراها أبناؤنا في المستقبل المسطور..!


 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire