مرحبا بكم

إدماج تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بالتعليم بالمغرب: نحو رؤية نقدية ـ1

إدماج تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بالتعليم بالمغرب: نحو رؤية نقدية  ـ1  
 ذ. نورالدين مشاط

السياق العام:


         أحدثت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نقلة مجتمعية حادة ـ بكل ما يعنيه هذا المصطلح من معنى ـ في عالمنا اليوم. فلقد اكتسحت كل مناحي الحياة ووسمت مجتمعاتنا بفضل الثلاثي المكون لها، تكنولوجيا الحاسوب ونظم الاتصالات وهندسة التحكم التلقائي، بالتغيرات السريعة في كل شيء حيث باتت هذه التكنولوجيا تتغذى على بعضها البعض لتراكم الاكتشافات والاختراعات ككرة ثلج متدحرجة. لقد غدا جل ما حولنا رقميا بامتياز، وأصبح الفضاء عبارة عن أرقام متطايرة هنا وهناك حاملة لبلايين المعلومات والمعطيات، حيث ربطت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحواسيب بعضها ببعض بفضل شبكة الإنترنت لتيسر الحصول على المعلومة وتحررها لتصبح في متناول الكل، ولينتقل المجتمع كنتيجة إلى مجتمع للمعرفة. لقد كسرت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحواجز بين الدول وألغت نظام التأشيرة على مرور المعلومات، فأصبح الفضاء الثقافي معولما وبدأت التغيرات المجتمعية بكل تأثيراتها، في الرقعة الواحدة أو عبر المعمور، تنتقل من مكان إلى مكان بسرعة البرق.
         لقد بات من غير المجدي الاستمرار في تربية لا تأخذ كل هذا في الحسبان، كما بات على مدرسة اليوم أن تطور من أساليبها وتجدد فيها لتساير العالم من حولها. فلا يعقل أن يكون عالم المتعلم خارج أسوارها عالما تكتسحه التكنولوجيا بكل إمكاناتها القوية (قوة الصورة والصوت والحركة والنفاذ إلى عوالم بأبعاد ثلاثية) في حين يخيم عليها جمود وتقليد حيث لا إثارة ولا تشويق (عالم الجدران الأربعة والسبورة السوداء والطبشورة والغبار)! إنها حالة انفصام فعلي بين واقع متطور، عالم النقرة والمجتمعات الافتراضية  والرقميات خارج أسوار المدارس، وبؤس داخلها.
         لقد فرضت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على كافة الدول، بما فيها المغرب، إعادة النظر في مناهجها التعليمية وتصورات منظوماتها التربوية بارتباط مع ما تريده من مواصفات التخرج لمتعلميها وشروط التنمية المجتمعية المتغيرة. لقد أضحى إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم دعامة أساسية سواء على مستوى تيسير التعلمات أو على مستوى تنمية كفايات المتعلمين المنهجية والتكنولوجية لتقوية إمكاناتهم الذاتية للتعلم وقدرتهم على التكيف مع المتغيرات وإطلاق المبادرات لإحداث النهوض المجتمعي المنشود. واستنادا إلى هذه الرؤية، دعا الميثاق الوطني للتربية والتكوين ـ بصفته ميثاقا مجتمعيا للنهوض بقضايا التعليم ـ في دعامته العاشرة إلى إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، وهو ما بلورته الحكومة في برنامج طموح أطلق عليه برنامج "تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال التربوي" (Genie)[1]
         انطلق برنامج (جيني) برؤية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية هي التجهيزات والتكوين وإنتاج الموارد الرقمية. انطلق بإرساء البنى التحتية المتمثلة في تجهيز المؤسسات التعليمية بقاعات متعددة الوسائط مرتبطة بشبكة الإنترنت من جهة، وبتأهيل الموارد البشرية ـ تحديدا المدرسات والمدرسين ـ عبر تكوينها في مجال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال باعتماد التكوين المضاعِف، من جهة أخرى. أما محور إنتاج المضامين الرقمية فظل مؤجلا إذا ما استثنينا الرهان على ما كان من الممكن أن يتمخض عن التكوينات التي تلقتها الموارد البشرية من اجتهادات في هذا الصدد أو ما أنتجه الأساتذة المجددون. كما انتهجت الوزارة سياسة تشجيع التميز والتجديد والإبداع فأطلقت العديد من المبادرات بشراكة مع متدخلين دوليين: برنامج المساعدة الأمريكي (USAID)، مايكروسوفت (Microsoft)، أنتل (Intel)، اليونسكو (UNESCO)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  (UNDP)، والوكالة الكورية للتنمية الدولية (Koika).
         لكن أثر برنامج (جيني) كان ضعيفا، إذ أن أغلب القاعات ظلت مغلقة، كما سطرت ذلك دراسة تقييمية للبرنامج قامت بها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات[2] (ANRT) سنة 2008. وقد عزت الدراسة ذلك لعدة أسباب منها شدة المقاومة للتغيير كنتيجة لضعف التحسيس والتواصل وقلة الموارد الرقمية بالإضافة إلى مشاكل لوجيستيكية وتأطيرية[3]، وهو ما استدعى إعادة النظر في الإستراتيجية برمتها بإدماج باقي الفاعلين التربويين (المديرون والمفتشون) في الاستفادة من المصوغات الجديدة للتكوين أملا في تسريع وتيرة الإدماج، وباتخاذ إجراءات جديدة على صعيد البنية التحتية والتكوينات في إطار مشاريع البرنامج الاستعجالي.
         وبموازاة مع تلك الإصلاحات، أطلق المغرب "مشروع المغرب الرقمي 2013"، وطور مناطق الأوفشورينغ[4] (offshoring ) ـ "الرباط تكنوبوليس"، "الدارالبيضاء نيرشور"[5]  و"فاس شور" ـ بغية مواكبة متطلبات سوق الشغل وما نجم عن الطفرة التكنولوجية من مهن جديدة كبدائل حديثة لما كان سائدا، وليقوي البنية التحتية لمجتمع المعرفة، كما دعم الإقبال على شبكة الإنترنت انطلاقا من سلسلة إجراءات ابتدأت بنشر ثقافة مقاهي الإنترنت لتصل إلى تيسير ولوج الحاسوب والإنترنت إلى أغلب المنازل بفضل برنامجي "نافذة" و"إنجاز".
         ورغم كل ما سبق، بقي حلم المتعلمين بمدرسة مفعمة بالحياة حلما مؤجلا. فتفعيل الأدوار الجديدة للمدرسة ـ بما يتطلبه هذا التغيير من عادات جديدة ومجهودات مضاعفة ـ في ظل بيئة تعليمية محافظة ليس بالأمر السهل، بل قد يصطدم بمقاومة شرسة للتغيير من طرف العديد من المدرسين والإداريين الذين لم يقتنعوا بعد بأهميته لسبب أو لآخر.  وإيمانا منا بأهمية إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم وأدوارها الطلائعية في النهوض المجتمعي بالإضافة إلى انخراطنا في العديد من الأنشطة والتكوينات المتعلقة بتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جعلنا معنيين بشكل أو بآخر بالنبش في مكامن الخلل لاستجلاء أسبابها وتقديم حلول وتوصيات بشأنها.

ذ. نورالدين مشاط، 2011، 
جزء من مقدمة بحث طويل حول واقع التكنولوجيات التربوية بالمغرب: دور الموارد الرقمية والسيناريو البيداغوجي.




[1]- GENiE: GENéralisation des tIc dans lEducation
[2]  ـ المصوغة الثانية لتكوينات جيني الخاصة بالمدرسين، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطوير الأداء المهني، الورشة الثانية: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والولوج إلى المعلومة، ص.21
[3]- http://revue.sesamath.net/spip.php?article233 (Date de visite: 31 decembre 2010)
[4]- http://www.technopolis.ma ; http://www.casanearshore.com (Date de visite: 29 decembre 2010)

2 commentaires:

  1. http://sites.google.com/site/medkebdani/mon-cv-4

    RépondreSupprimer
  2. الشكر الجزيل للاستاذ المجدد نورالدين مشاط على الرؤية اليقظة في تتتبع الأمورالمتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنظرة الثاقبة في التحليل
    ;ولقد حسمتم الأمر بقولكم إنه بات من غير المجدي الاستمرار في تربية لا تأخذ كل التغيرات في الحسبان، كما بات على مدرسة اليوم أن تطور من أساليبها وتجدد فيها لتساير العالم من حولها. فلا يعقل أن يكون عالم المتعلم خارج أسوارها عالما تكتسحه التكنولوجيا بكل إمكاناتها القوية

    RépondreSupprimer