بصائر القرآن3: الأبعاد النفسيـة
من زمهرير الارتكاس إلى عرصات
الأنس بالله
(الجزء الأول)
ذ. نورالدين مشاط
"ونفس وما
سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" (سورة
الشمس)
وهو قسم عظيم .. قسم بالنفس وما تحبل به من
أهواء وأشواق..
وما تخطه في مساراتها من هبوط نحو الدركات أو
تحليقات نورانية إلى عنان السماوات..
فمعاركها سجال بين حبال السيئات التي تجر إلى
الأعماق، ودوامات الخطايا التي تشكل التيه بظلماته الحالكة وضمأ هواجره الذي لا تطفئه
المياه المالحة وإنما تزيده عطشا..
فالسيئات تغذي بعضها البعض وتستدعي أخرى..
فتلف الحبال الأعناق.. فتضيق النفس وتجحظ العين.. وينتشر اليأس والقنوط..
وبين مسارات الارتكاس حيث الظلمات يركب بعضها
بعضا .. تمتد رحمة الله لمن التقط الإشارات.. وقرع الباب .. وحارب اليأس من
الارتقاء.. وبدأ رحلة الأنس بالله ..
فبكى بين يديه ندما..
وعزم الإقلاع عشقا للمولى ومضى قـُـدُما..
فيفرح الرحمن به فرحا .. وينتشله من همه
انتشالا:
"ونجيناه
من الغم وكذلك ننجي المؤمنين" (سورة
الأنبياء) هكذا قال ليونس عليه السلام
وهكذا يقول لمن استدار إليه.. وبدأ قطع
المسافة باتجاهه..
فيبسط له أنوار فضله.. ويلقي عليه من
أنسامه..
* * * * *
تلك رحلة لها آلامها وأشواقها، اختزلتها بدء
وما هي كذلك..
رحلة تعج بالبحث والتنقيب .. والهدم
والبناء..
فهي رحلة كـَـبَـدٍ تبني الإنسان "ولقد خلقنا الإنسان في كبد"
ورحلة كدح بحق لملاقاة الله "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه"
فاحمل معك أشواقك يا صاح ..
واصحبني .. في رحلة هدفها ..
"ليخرجكم
من الظلمات إلى النور"