مرحبا بكم

مفاتيح رحلة السعادة 1

السعادة ينابيع تملأ القلوب المتبصرة ..القلوب التي تمتلك تصورا خاصا لطبيعة الأشياء..القلوب التي تعيش موصولة بالكون تأملا واستبصارا فتخلق انسجاما معه وتسير وفق سننه في رحلة سعادة..! هذه السعادة بحث عنها من امتلأت خزائنهم أموالا فلم يجدوها فاعتصرت عيونهم بدل الدمع دما.. وكانت مصائر العديد منهم انتحارا... بحثوا عنها في شهوات البطن والفرج فما هي إلا لحظات حتى تتبخر اللذة وتحل محلها الآلام.. بحثوا عنها في القصور الفارهة فانقلبت كلها وحشة وعتمة..بحثوا عنها في سلطة الكرسي والبطش بمخالفيهم فقض هؤلاء الضحايا مضاجعهم في نومهم وحولوا أحلامهم كوابيسا. ما هي مفاتيح السعادة التي أشكلت على هؤلاء فجعلت آفاقهم مظلمة وقلوبهم منقبضة؟
1ـ أنر فوانيس قلبك
1ـ1ـ عش مع الله في الكون وفي الأنفس
         من قبل كتبنا لك عن الكون من خلال سفر فيه لنكشف لك الأعداد الهائلة من مجراته ونجومه ولنقف على معاني آيات القرآن وقسمه بمواقع النجوم حيث قال عز وجل: "لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون"(غافر) كنا نبتغي وضعك أمام حقيقة صغر الإنسان وضحالة علمه وعظم ما يجهله من حوله وعن نفسه. قال تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" (الذاريات). هذا الكون الواسع الفسيح يشد بعضه بعضا في تماسك عجيب وحركة دائبة لا تغفل التوازن..! أفلاك وأفلاك .. ومسارات .. ومسارات من هولها وضخامتها جعلت السير جيمس جينز يكتب عنها كتابا يسميه "الكون الغامض"! وما هو بغامض على من قرأه بنور الله فرأى الوحدة تسري فيه لتدلك على الخالق. وهل كان عبثا أن يسرد علينا ربنا قصة إبراهيم الخليل الذي طاف في ملكوت الله تأملا ليسجد للحقيقة الدامغة وليعيش حياته سعيدا موفيا "وإبراهيم الذي وفى"(النجم). ولمن أراد السفر بعمق في هذه العوالم أن يقرأ ما كتب الدكتور أحمد زكي في كتاب سماه "مع الله في السماء"، أو ما كتبه الشيخ نديم الجسر في كتابه الرائع "قصة الإيمان بين العلم والفلسفة والقرآن"، دون أن ننسى كتب من مثل: "الله يتجلى في عصر العلم" وكتب عديدة أخرى لا غنى عنها لطالب الأنس بالله حيث يعيش الجلال في حضرة المولى ويحس بالفقر إليه، ويرى حقيقة ما عليه الناس..! حقيقة الانشغال بالتافه عن المهم كما أشرت سابقا.
         وحينما ترى الأرض وما أصابها من اختلال واعتراها من كوارث كنتيجة لعبث الإنسان العاقل.. العاقل جدا، تدرك أن التوازنات التي خلقها الله كانت دقيقة للغاية (إنا كل شيء خلقناه بقدر).. وحينما تمعن النظر في كل هذا الجمال وهذه الألوان وهذا التعدد في المخلوقات تعيش عرس الإبداعات المتكاملة وترى روعة الحكمة المبثوثة في كل شيء. حكمة المياه المالحة في البحر وحكمة أمواجه العلوية والداخلية..حكمة الجبال وقيعان البحار.. حكمة الغابات والصحارى..حكمة أجواء الأرض ونيران بطنها..حكمة ميلان هذه الأخيرة ودورانها وليلها ونهارها وفصولها وأقطابها. حكم لا حصر لها تدعوك إلى التأمل وترك النظرة السطحية التي تبلد الفكر وتقتل لذة الإحساس بروعة الخلق [1].
 
1ـ2ـ عش مع أسمائه وحلاوة ذكره
         لأسماء الله الحسنى في القلب وقع كبير، ولمن عاشها..عاش حلاوة الأنس حقا. ولم يكن عبثا أن ينبهنا الله إلى ذلك بقوله تعالى "ولله الأسماء الحسنى". كان يكشف لنا سرا من أسراره وخطا موصولا بحضرته. فمن أراد الإحسان لنفسه وللعالم من حوله فليقرأ الكون من خلال نوافذ أسمائه. "اقرأ باسم ربك"(العلق:1) هكذا رسم لنا المنهج حتى تتفتح لنا ينابيع الحكمة. اقرأ باسم الرحيم الذي طبع مجمل الكون برحمة من عنده فما تركت شيئا إلا ولفته. اقرأ بأسمائه واحدا تلو الآخر لتسري الرهبة في قلبك ولتقف عند جزء يسير من عظمته يفجر ينابيع الدمع من مقلتيك فتبتعد عن ركب أعماه التبلد فاستحق تقريع المولى وتعجبه: "أفمن هذا الحديث يعجبون ويضحكون ولا يبكون وهم سامدون" لتسرع الخطى للسجود ملبيا "فاسجدوا لله واعبدوا" (النجم). ولقد انتبه العديد من الدعاة إلى روعة العيش في ظلال أسماء الله الحسنى فكانت كلمات شيخنا أبو راتب النابلسي وبرامج أخينا عمرو خالد[2] تصب في هذا المضمار تبتغي خلق هذا الأنس بها منبهة إلى أبعادها.
         أما ذكره فهو اطمئنان القلب وولوج ساحة الرضا والعيش في كنف الله، ألم تقل مريم القديسة حينما سألها زكرياء عليه السلام عن رزق وجدها تقتات منه: "هو من عند الله"(مريم). فذكر الله هو ربط الاتصال: "فاذكروني أذكركم" ولذلك قال عليه السلام :" مثل الذي يذكر ربه و الذي لا يذكر مثل الحي و الميت" (البخاري) وقال أيضا :"إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني ، و تحركت بي شفتاه " (صحيح الجامع). وأجمل أوقات الذكر حينما تنام الأعين ويسدل الظلام أستاره فتنهض القلوب العاشقة للمولى لتبني جسور النور مرددة مع أحدهم: "دقائق الليل غالية فلا ترخصوها بالغفلة". فهي مدارس تبني الأنفس لتقف كالجبال الشامخة أمام أعاصير الحياة..!


[1] ـ إقرأ "روعة الخلق" كتاب لهارون يحيى من موقعه الغني: http://www.harunyahya.com/arabic/index.php
أو متابعة العديد من وصلات الفيديو على اليوتيوب في هذا الصدد : http://www.youtube.com/watch?v=lnubqHMhbT4

[2]  ـ لعمرو خالد كتابات في هذا الاتجاه عنونها "باسمك نحيا" وقد مرت كحلقات تلفزيونية يمكن متابعتها على اليوتيوب

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire